يُعد دواء أمفوتيريسين ب ديوكسيكولات واحدًا من أقدم العلاجات المضادة للفطريات وأكثرها فعالية في الطب البيطري، خصوصًا في الحالات الشديدة التي تُهدّد حياة الحيوان.
على الرغم من فعاليته الكبيرة ضد العديد من الفطريات الجهازية، فإنه يُعرف أيضًا بكونه دواءً حساسًا يتطلب دقة عالية في الجرعات ومراقبة مستمرة لوظائف الكلى، خاصة لدى القطط التي تُعد أكثر حساسية لتأثيراته السامة.
تعتمد هذه المادة على كونها مركّبًا من نوع البوليين macrolide polyene مشتقًا من Streptomyces nodosus، وتُستخدم منذ عقود لعلاج الفطريات التي لا تستجيب للأدوية التقليدية مثل الكيتوكونازول أو الإيتراكونازول.
في هذا المقال سنقدّم قراءة علمية مبسّطة للدواء، تشمل تعريفه، وآلية عمله، واستخداماته العلاجية في القطط، وطرق إعطائه، والجرعات، والآثار الجانبية، إضافة إلى نصائح مهمة قبل وبعد الاستخدام، مع التحذير من الأخطاء الشائعة.
محتوى المقالة
ما هو دواء أمفوتيريسين ب ديوكسيكولات؟
أمفوتيريسين بّي ديوكسيكولات هو الصيغة التقليدية من دواء أمفوتيريسين بّي، وهي الصيغة الأكثر استخدامًا في الطب البيطري نظرًا لانخفاض تكلفتها مقارنة بالصيغ الدهنية الحديثة. إلا أنها في المقابل الأكثر سمّية على الكلى.
الصيغة الديوكسيكولات هي عبارة عن مسحوق للحقن يحتوي على sodium desoxycholate كعامل مُذيب يساعد على جعله قابلًا للانحلال وملائمًا للحقن الوريدي.
يتميّز هذا الدواء بأنه فعال ضد مجموعة واسعة من الفطريات، مثل:
- Histoplasma.
- Blastomyces.
- Coccidioides.
- Cryptococcus.
- Candida species (مع مقاومة محتملة لبعض الأنواع).
- Sporothrix.
- Mucor.
كما يتميز بنشاط ضد بعض الطفيليات مثل Leishmania في بعض الحيوانات.
آلية عمل الدواء وكيف يؤثر في جسم القطة
يعتمد تأثير أمفوتيريسين بّي على ارتباطه بمكوّن أساسي في غشاء الخلية الفطرية يُعرف بـ الإرغوستيرول. يقوم الدواء بالآتي:
- الارتباط بالإرغوستيرول الموجود في جدار الخلية الفطرية.
- تكوين قنوات مسامية في الغشاء نتيجة الارتباط.
- تسرّب محتويات الخلية الفطرية من داخلها إلى الخارج.
- موت الخلية الفطرية بشكل مباشر (fungicidal) أو إيقاف نموّها (fungistatic) بحسب التركيز.
هذا التأثير الانتقائي يعتمد على وجود الإرغوستيرول في الفطريات وعدم وجوده في خلايا الحيوانات، إلا أن الدواء قد يؤثر على أغشية خلايا الثدييات بدرجة أقل، وهو السبب وراء سمّيته الكلوية العالية.
كما يتميز الدواء بخصائص دوائية مهمة:
- امتصاصه ضعيف جدًا عبر الفم، ولذلك لا يُعطى للقطط إلا حقنًا وريدياً.
- ينتشر في معظم أنسجة الجسم لكن بشكل محدود في العين والسائل الدماغي الشوكي.
- يرتبط بنسبة 90–95% ببروتينات الدم.
- قد يبقى الدواء في الجسم لأسابيع بعد انتهاء العلاج.
استخدامات أمفوتيريسين بّي في علاج القطط
يُستخدم الدواء بشكل أساسي لعلاج العدوى الفطرية الجهازية الشديدة التي قد تهدد حياة القطة، خاصة في الحالات التي لا تستجيب للعلاج التقليدي. من أهم استخداماته:
- الهيستوپلاسموزيس Histoplasmosis.
- البلاستومايكوزيس Blastomycosis.
- الكريبتوكوكوزيس Cryptococcosis.
- الكوكسيديومايكوزيس Coccidioidomycosis.
كما يُستخدم أحيانًا كمزيج مع أدوية أخرى مثل فلوسيستين أو كيتوكونازول في حالات معينة.
يتم اللجوء إليه عندما:
- تكون العدوى الفطرية خطيرة وممتدة.
- تفشل الأدوية المضادة للفطريات الفموية.
- تحتاج القطة لعلاج سريع وفعّال للسيطرة على المرض.
طرق إعطاء الدواء للقطط
الصيغة Amphotericin B Desoxycholate ليست فموية ولا تأتي على شكل حبوب أو شراب أو مرهم، وإنما تُعطى فقط:
الحقن الوريدي البطيء (IV infusion)
وهي الطريقة الأساسية والمعتمدة.
يتم فيها:
- إعادة تحضير الدواء بماء معقم فقط،
- ثم تخفيفه في محلول Dextrose 5% D5W،
- ثم إعطاؤه عبر التسريب الوريدي على فترة طويلة (قد تمتد إلى عدة ساعات).
لا يجوز تخفيفه في محلول ملحي (Normal Saline) لأنه يسبب ترسيب الدواء وتلفه.
الحقن تحت الجلد (SC)
تم الإبلاغ عن استخدامه تحت الجلد في بعض الدراسات، لكن هذه الطريقة ليست شائعة بسبب احتمال تهيّج الأنسجة.
الاستخدام الموضعي (غير شائع في القطط)
استخدمت صيغة الدواء في بعض الحيوانات لحالات التهابات القرنية الفطرية، ولكن لم تُعتمد للقطط بشكل روتيني.
الجرعات المناسبة للقطط
تؤكد المراجع البيطرية أن القطط أكثر حساسية لسمّية أمفوتيريسين بّي، ولذلك ينصح الأطباء باستخدام جرعات مخفّضة مقارنة بالكلاب.
الجرعة التقليدية المستخدمة في القطط تعتمد على:
- وزن القطة.
- حالتها الصحية.
- مستوى وظائف الكلى.
- نوع الفطر المصاب به.
- الاستجابة للعلاج.
الجرعات البيطرية الموثقة
عادة ما تتراوح الجرعة بين 0.15 – 0.5 mg/kg عبر الوريد وتُعطى ثلاث مرات أسبوعيًا حتى الوصول إلى جرعة تراكمية بين 2–4 mg/kg. هذه الجرعات مستمدة من بروتوكولات علاج الأمراض الفطرية الجهازية.
ملاحظات مهمة حول الجرعات
- قد يلجأ الطبيب إلى جرعات أقل من 0.15 ملغ/كغ إذا كانت القطة لديها تاريخ مرضي كلوي.
- لا يُستخدم الدواء يوميًا؛ بل يُعطى بشكل متقطع للسماح للكلى بالتعافي.
- يجب مراقبة التحاليل قبل كل جرعة.
موانع الاستخدام والحالات التي يجب تجنب الدواء فيها
- يمنع استخدامه في حالة الحساسية للدواء.
- يجب استخدامه بحذر شديد عند وجود أمراض كلوية مسبقة. رغم أنه غير ممنوع، لكنه يتطلب مراقبة مكثفة لوظائف الكلى.
- يُستخدم بحذر في الحمل لعدم وجود دراسات كافية.
- تجنب إعطائه مع أدوية أخرى سامة للكلى مثل:
- الأمينوغليكوزيدات.
- سيكلوسبورين.
- فانكومايسين.
- بوليميكسين.
- سيسبلاتين (إما بالتزامن أو في فترة قريبة).
التأثيرات الجانبية المحتملة
يعد الدواء من أكثر الأدوية البيطرية تسببًا في سمّية الكلى، خصوصًا لدى القطط. من أبرز التأثيرات:
التأثيرات الكلوية (الأخطر)
- ارتفاع اليوريا والكرياتينين.
- انخفاض معدل الترشيح الكلوي.
- تغيرات في البول.
- تدهور تدريجي في عمل الكلى. القطط أكثر حساسية لهذا التأثير من الكلاب.
التأثيرات العامة:
- قيء.
- فقد الشهية.
- خمول.
- حمى.
- رجفة.
- التهاب الوريد (phlebitis) في موضع الحقن.
اضطرابات شوارد الجسم
- نقص البوتاسيوم.
- نقص المغنيسيوم.
- اضطراب نظم القلب.
فقر الدم غير التجديدي
بسبب تأثير الدواء على نخاع العظم.
كيفية التعامل مع الآثار الجانبية
يتطلب الدواء بروتوكولًا صارمًا للمراقبة:
- فحص BUN والكرياتينين قبل كل جرعة.
- فحص الأملاح المعدنية أسبوعيًا على الأقل.
- فحص البول وتحليل البروتينات.
- إيقاف الدواء فورًا عند ظهور أي علامات تدهور كلوي.
كما يُنصح أحيانًا بتحميل القطة بجرعة من السوائل الوريدية المالحة قبل وبعد العلاج للتخفيف من سمّيته الكلوية (بشرط ألا يُستخدم المحلول الملحي لتخفيف الدواء نفسه).
نصائح مهمة قبل وبعد استخدام الدواء
- لا بد من إجراء تحاليل شاملة للكلى قبل بدء العلاج.
- يجب تقديم العلاج حصريًا تحت إشراف طبيب بيطري.
- الالتزام الدقيق بمواعيد الجرعات ومراقبة أي تغير في نشاط القطة.
- مراقبة كمية الماء التي تشربها القطة وتكرار التبول.
- تجنب إعطاء أي دواء آخر قد يتداخل مع أمفوتيريسين بّي.
- التأكد من أن التسريب الوريدي يتم ببطء مناسب لتقليل التسمم.
أخطاء شائعة عند إعطاء الدواء وكيفية تجنبها
- تخفيف الدواء بالمحلول الملحي: هذا خطأ خطير يؤدي إلى ترسيب الدواء وفقد فعاليته. يجب دائمًا تخفيفه بـ D5W فقط.
- إعطاء الجرعات بسرعة: الحقن السريع يزيد خطر التسمم الكلوي بشكل كبير.
- عدم مراقبة التحاليل الدموية: إهمال الفحوصات قد يؤدي إلى فشل كلوي خطير.
- استخدامه مع أدوية سامة للكلى: مثل الأمينوغليكوزيدات أو السيسبلاتين.
- عدم الالتفات إلى أعراض القطة: مثل القيء، الخمول، أو قلة الأكل – وهي قد تكون علامات مبكرة لسمّيته.
تحذير
دواء أمفوتيريسين بّي ديوكسيكولات هو علاج فعّال للغاية، لكنه في الوقت نفسه من أخطر الأدوية التي تُستخدم في الطب البيطري دون مراقبة دقيقة.
لا يجب على الإطلاق استخدامه أو محاولة إعطائه دون إشراف طبيب بيطري متخصص، لأن سوء استخدامه قد يؤدي إلى فشل كلوي حاد وربما وفاة القطة.
المصادر
- Merck Veterinary Manual
- Cornell Feline Health Center
- ASPCA Animal Poison Control Center
- Pet Poison Helpline
- Blackwell’s Five-Minute Veterinary Consult (كتاب بيطري مرجعي)
تنويه طبي
تم إعداد هذا المقال لأغراض تثقيفية فقط ولا يُغني عن استشارة الطبيب البيطري المختص. إذا لاحظت أي أعراض غير طبيعية على قطتك، يُنصح بمراجعة عيادة بيطرية فورًا.
حول كاتب المقال
د. أحمد محلي
طبيب بيطري متخرج من كلية الطب البيطري في حماة – سورية.
أتمتع بخبرة واسعة في رعاية الحيوانات الأليفة وتشخيص أمراضها وسلوكها وطرق رعايتها.
شغفي بمهنة الطب البيطري يدفعني لمشاركة معرفتي مع مُربي الحيوانات الأليفة عبر مقالات توعوية تسلط الضوء على أفضل الممارسات للعناية بصحة وسعادة الحيوانات الأليفة.
بفضل خبرتي الممتدة لعدة سنوات، أسعى لجعل المعلومات العلمية البيطرية سهلة الفهم ومتاحة للجميع لضمان حياة أفضل للحيوانات الأليفة.
هل كانت المعلومات التي وردت في مقالتنا مفيدة؟
نهتم كثيراً بآرائكم ومقترحاتكم. شاركونا بالتعليق على المقالة من أجل صحة قططكم القريبة إلى قلوبكم